05‏/11‏/2024

كيف يقود التشدد والتعصب المجتمعات العربية نحو التخلف؟

يعد التخلف والتشدد من أبرز العوائق التي تواجه المجتمعات العربية، هذه الظواهر لا تقتصر فقط على التعصب الديني بل تتغلغل في العديد من جوانب الحياة اليومية، بدءًا من مواقع التواصل الاجتماعي وصولاً إلى الشارع والممارسات الاجتماعية، يترتب على هذه الظواهر انتشار الكراهية والصراعات التي تمنع المجتمعات من التقدم والتطور.

أسباب التخلف في المجتمعات العربية

أسباب تخلف المجتمع

1- التشدد والتعصب الديني

التعصب الديني

هناك قول مأثور يقول: "التديّن هو أن تحب دينك، بينما التشدّد هو أن تكره أديان الآخرين."

يُعد التشدّد الديني العائق الأكبر أمام تقدم المجتمعات، فمن المستحيل أن تجد مجتمعاً ناجحاً ومتقدماً وهو في الوقت ذاته متشدد دينياً.. للأسف الشديد، هناك مئات الآلاف في المجتمعات العربية ممن يرفضون التنوع ويكرهون الأديان الأخرى.

على سبيل المثال، عندما توفي البابا شنودة عام 2012، وهو رمز روحي كبير للمسيحيين، شاهدنا العديد من التعليقات العنصرية والمتشددة على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، وصل التشدد والتعصب أن بعض الناس لم يكتفوا بعدم الترحم عليه، بل أظهروا الكراهية تجاه من ترحم عليه! عندما قدم الفنانان المصريان عادل إمام ومحمد صبحي واجب العزاء بعد وفاته، واجها موجة من الشتائم والتعليقات المتشددة التي تدل على التخلف والانغلاق الفكري والثقافي لهؤلاء المتعصبين.
 
ابحث في يوتيوب عن وفاة البابا شنودة، وستجد آلاف التعليقات العنصرية التي تعكس جهل وتخلف أصحابها.. وفي المقابل إذا شاهدت فيديو عزاء الشيخ محمد الشعراوي الذي تجاوز مليوني مشاهدة على يوتيوب، فمن النادر جداً أن تجد تعليقاً عنصرياً من أي شخص مسيحي!

حين استشهدت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في مايو 2022، ظهر آلاف المتشددين الذين رفضوا الترحم عليها وهاجموا من فعل ذلك، فقط لأنها مسيحية.. على الجانب الآخر رأيت أيضاً بعض المتعصبين الذين فرحوا وشمتوا في استشهاد البطل يحيى السنوار! 
 
لم أنسى حين قال لي شخص متشدد: يارب يقتلوهم كلهم! كان يتحدث عن شهداء فلسطين، فكان يفرح بموتهم، ولكنه في نفس الوقت يحزن عندما تُفجر كنيسة.. فحين مات المسلمون فرح وحين مات المسيحيون حزن!

للأسف المتشددون في مجتمعنا العربي كثيرون جدًا، وهم السبب الأول والرئيسي في تأخر المجتمع وانتشار الكراهية، فهذه الفئة المتعصبة لم تدرك قيمة المحبة ولم تذق طعم السلام.

الدول الأوروبية تقدمت وتطورت لأنها تجاوزت مرحلة التشدّد الفكري والديني التي كانت تسيطر على المجتمعات الغربية في العصور الوسطى، لم تحقق أوروبا نهضتها العلمية والفكرية إلا بعد تراجعها عن الفكر الديني المتشدد وانفتاحها على العلوم والفلسفة والثقافة، فالتنوع العرقي والديني والثقافي في أوروبا يعد مصدراً للقوة والتقدم والابتكار.

أما في الدول العربية، عندما قامت الإمارات ببناء معبد هندوسي، انهالت التعليقات العنصرية التي تدعو إلى هدمه، يوجد في الإمارات أكثر من مليون هندوسي ومن أبسط حقوقهم أن يكون لهم معابد خاصة بهم، بناء معبد هندوسي في الإمارات خطوة إيجابية لتعزيز التعايش السلمي بين الأديان، ورغم اهمية هذه الخطوة إلا أن
الإمارات واجهت انتقادات عديدة من بعض المتشددين.

أخي العزيز..
الشخص الراقي يحترم المختلف عنه، والشخص المتخلف يكره المختلف عنه.

2- الجهل على مواقع التواصل الاجتماعي

الجهل على مواقع التواصل الاجتماعي

بدلاً من أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً لتبادل الأفكار والثقافات، أصبحت ساحة للتعليقات المتخلفة والجاهلة التي تعكس ضعف الوعي وقلة المحبة.
 
سواء في الأفراح أو الأعياد المسيحية ستجد تعليقات متعصبة مثل "الحمد لله على نعمة الإسلام"، أو "لا يجوز تهنئة المسيحيين في عيدهم." وتعليقات السخرية من بعض المسيحيين في احتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف.. تعكس هذه التعليقات تشدداً وانغلاقاً فكرياً يعوق التعايش السلمي.

عزيزي القارئ الراقي.. لا تؤذي أي شخص مختلف عنك حتى ولو بكلمة جارحة.. سيكرهك ومن الممكن أن يكره عقيدتك!

اعتنق الإنسانية قبل أي شيء.

3- احتكار الجنة!

الجنة للجميع

يوجد في العالم أكثر من 20 ديانة، يتجاوز عدد أتباعها المليون إنسان، كل دين من هذه الأديان له أتباع يؤمنون بنهاية جيدة أو سيئة بعد الموت، وهم متأكدون من أن الالتزام بتعاليم دينهم سيؤدي إلى نهاية جيدة.. فإذا كنت تعتقد أنك صاحب الدين الصحيح، فهم أيضاً متأكدون من ذلك، لذا فلا تفرض رأيك أو معتقداتك على غيرك، ولا تسخر من أي عقيدة في العالم.

في المجتمع العربي، إذا كان الدعاء بالجنة لمتوفى مسلم سيمر التعليق بسلام، أما إذا كان الدعاء بالرحمة والجنة لشخص غير مسلم، فبنسبة كبيرة جدًا لن يمر التعليق بسلام، وستجد تعليقات عنصرية كثيرة مثل "لا يجوز الترحم على الكفار" وغيرها من التعليقات المتعصبة التي تدل على تخلف وغباء أصحابها، وكأن الجنة خُلقت لفئة واحدة فقط من الناس!

4- التمييز المجتمعي ضد المرأة

التمييز المجتمعي ضد المرأة

المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات التي تضطهد المرأة، وهذه حقيقة لا يجب إنكارها، فإذا زنت المرأة وانكشف أمرها، ستُذبح على مواقع التواصل الاجتماعي ومن نظرات الناس والجيران، وحين يتسرب فيديو إباحي لفتاة، يقوم الناس بفضح وإهانة هذه الفتاة على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنهم آلهة لا يخطئون، في حين لا يتعرض الرجل لأي انتقادات أو شتائم وكأنه قام بعمل بطولي!

عزيزي القارئ، الفتاة التي تخطئ فإنها أولاً أخطأت في حق ربها، وثانياً في حق جسدها، وثالثاً في حق أسرتها، ولا يحق لأي شخص لومها أو معاتبتها إلا أسرتها.. فإذا أهنتَ أو شتمتَ أي فتاة وقعت في هذا الخطأ، أو شاركت في فضيحتها، فأنت شخص متخلف.

يتجلى التخلف أيضًا في قبول العنف الأسري، حيث تتكرر حالات تعرض النساء للإهانة والضرب، وحتى التشهير العلني، على سبيل المثال، في عام 2020 قام أب مصري بضرب ابنته حتى الموت لأنها كانت واقفة مع شاب أمام المدرسة في يوم عيد الحب، بدلاً من إدانة تلك الأفعال، يوجد الكثير من الذكور الذين يصفون هذا الأب بأنه رجل!

ظهرت آلاف التعليقات المتخلفة مثل "لو معملش كده ميبقاش راجل"، "راجل في زمن انتهت فيه الرجولة" وغيرها من التعليقات المتخلفة التي تدل على تخلف الوعي الاجتماعي.. فهذه الفئة من الناس تشجع تلك الأفعال وتصف ممارسيها بالرجال، مع أنهم مجرد ذكور لا ينتمون لعالم الرجال بصلة.. فالرجل الحقيقي لا يضرب امرأة، فما بالك بذكرٍ قتل امرأة!

5- التخلف والتشدد كعائق أمام تقدم المجتمع

التعصب عائق أمام تقدم المجتمع

صديقي القارئ، لو تأملت في التاريخ ستجد أن جميع المخترعين والمبتكرين كانوا منفتحين على الثقافات والعقائد المختلفة، من المستحيل أن تجد عالماً أو مخترعاً متشدداً أو يكره من يختلف معه في العقيدة.

إليك بعض الأمثلة لعلماء ومخترعين غيروا العالم:

توماس إديسون، الذي أضاء العالم بمصباحه الكهربائي، كان يؤمن بوجود خالق للكون ولكنه لم يكن ملتزمًا بدين معين.. أما ألبرت أينشتاين، فكانت له آراء دينية وفلسفية متعددة، لكنه لم يلتزم بمعتقدات دينية معينة.

ألكسندر جراهام بيل مخترع الهاتف، والأخوان رايت مخترعا الطائرة، وجون لوجي بيرد مخترع التلفزيون، وتشارلز بابيج مخترع الكمبيوتر، وكارل بنز مخترع السيارة، كانوا مسيحيين.

الحسن بن الهيثم مؤسس علم البصريات، وجابر بن حيان أبو الكيمياء، والخوارزمي مؤسس علم الجبر، والزهراوي مؤسس علم الجراحة الحديثة، وعباس بن فرناس، والفارابي، وابن رشد، كانوا علماء مسلمين منفتحين.

وابن سينا صاحب كتاب القانون في الطب، الذي ظل مرجعاً في الجامعات الأوروبية لعدة قرون، وله العديد من التماثيل في عدة دول أوروبية.
 
ومع ذلك ستجد بعض المتعصبين المتخلفين يكفرون هؤلاء العلماء العباقرة!
 
أخي القارئ..
عندما تسمح للتشدد والتعصب بالسيطرة على أفكارك، فإنك تحرم نفسك من الإبداع والابتكار.

في النهاية..
لا يوجد أي مجتمع في العالم يخلو من المتخلفين والمتعصبين، ولكن كلما قل عددهم تقدم المجتمع، وكلما زاد عددهم تأخر المجتمع.

التغيير الحقيقي يبدأ من داخل كل شخص منا، وإذا أردنا أن نعيش في مجتمع متطور ومتقدم يسوده الحب والاحترام، فعلينا أن ننبذ التعصب والكراهية ونتبنى الإنسانية قبل أي شيء، والتاريخ أكبر شاهد على أن الحضارات العظيمة لم تزدهر إلا عندما تجاوزت قيود الجهل والتشدد.

العقول الراقية المنفتحة تبني الحضارات، أما العقول المغلقة والمتعصبة فتدمرها.

إلى هنا تنتهي مقالتنا، ولمزيد من الإلهام والفائدة، نقترح عليك:
10 قصص رائعة ستمنحك سلام داخلي
10 صفات سلبية تجعلك شخص مكروه ومنبوذ اجتماعياً
12 قصة نجاح وكفاح ملهمة
نصائح وقصص ملهمة لقهر القلق والتوتر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق